&.. إن المؤمن لا يقبل منه عمله الصالح إذا لم يقصد به وجه الله ..&
كتبه الشيخ الألباني:
(إِنَّ اللَّهَ عز وجل لَا يَقْبَلُ مِنْ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ) .
وسببه كما رواه أَبِو أُمَامَةَ قَالَ: (جَاءَرَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ_صلى الله عليه وسلم_فَقَالَ أَرَأَيْتَ رَجُلًا غَزَا يَلْتَمِسُ الْأَجْرَ وَالذِّكْرَ مَالَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ_ص
لى الله عليه وسلم_لَاشَيْءَ لَهُ فَأَعَادَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ_صلى الله عليه وسلم_لَا شَيْءَلَهُ ثُمَّ قَالَ : فذكره) .
فهذا الحديث وغيره يدل على أن المؤمن لا يقبل منه عمله الصالح إذا لم يقصد به وجه الله عز وجل وفي ذلك يقول تعالى:
{فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } الكهف110
فإذا كان هذا شأن المؤمن , فماذا يكون حال الكافر بربه إذا لم يخلص له في عمله ؟
الجواب في قول الله تبارك وتعالى:
{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءًمَنْثُورًا } الفرقان 23 .
وعلى افتراض أن بعض الكفاريقصدون بعملهم الصالح وجه الله على كفرهم , فإن الله تعالى لا يضيع ذلك عليهم , بل يجازيهم عليها في الدنيا ,
وبذلك جاء النص الصحيح الصريح عن رسول الله_صلى الله عليه وسلم_وهو :
(إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةًيُعْطَى بِهَا)
وفي رواية : يثاب عليها الرزق فِي الدُّنْيَا , وَيُجْزَى بِهَا فِي الْآخِرَةِ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بِهَا لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الْآخِرَةِ لَمْ يكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا .
تلك هي القاعدة في هذه المسألة : أن الكافر يجازى على عمله الصالح شرعاً في الدنيا , فلا تنفعه حسناته في الآخرة , ولا يخفف عنه العذاب بسببها , فضلاً عن أن ينجو منه .
تنبيه:هذا ف يحسنات الكافر الذي يموت على كفره , كما هو ظاهر الحديث , وأما إذا أسلم , فإن الله تبارك وتعالى يكتب له كل حسناته التي عمل بها في كفره ,
ويجازيه بها في الآخرة , وفي ذلك أحاديث كثيرة ,كقوله_صلى الله عليه وسلم_(إِذَا أَسْلَمَ الْعَبْدُ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ كُلَّ حَسَنَةٍ كَانَ أَزْلَفَهَا)الحديث
هذا , وقد يظن بعض الناس أن في السنة ما ينافي القاعدة المذكورة من مثل الحديث الآتي :
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ_صلى الله عليه وسلم_ذُكِرَ عِنْدَهُ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ فَقَالَ :
(لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُجْعَلُ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍيَبْلُغُ كَعْبَيْهِ يَغْلِي مِنْهُ دِمَاغُهُ) .
وجوابنا على ذلك من وجهين أيضاً :
الأول : أننا لانجد في الحديث ما يعارض القاعدة المشار إليها , إذ ليس فيه أن عمل أبي طالب هوالسبب في تخفيف العذاب عنه , بل السبب شفاعته_صلى الله عليه وسلم_فهي التي تنفعه .
ويؤيد هذا الحديث التالي :
عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَفَعْتَ أَبَا طَالِبٍ بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ قَالَ :
(نَعَمْ هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ وَلَوْلَاأَنَا [ أي : شفاعته ] لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ) .
فهذا الحديث نص في أن السبب في التخفيف إنما هو النبي_صلى الله عليه وسلم_أي شفاعته كما في الحديث قبله , وليس هو عمل أبي طالب , فلا تعارض حينئذ بين الحديث وبين القاعدة السابقة
ويعود أمر الحديث أخيراً إلى أنه خصوصية للرسول_صلى الله عليه وسلم_وكرامة أكرمه الله تبارك وتعالى بها , حيث قبل شفاعته
في عمه وقد مات على الشرك , مع أن القاعدة في المشركين أنهم كما قال الله عز وجل:
(فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ) المدثر 48
ولكن الله تبارك وتعالى يخص بتفضله من شاء , ومن أحق بذلك من رسول الله_لى الله عليه وسلم_سيد الأنبياءعليهم جميعاً صلوات الله ؟ .
والجواب الثاني : أننا لوسلمنا جدلاً أن سبب تخفيف العذاب عن أبي طالب هو انتصاره للنبي_صلى الله عليه وسلم_مع كفره به , فذلك مستثنى من القاعدة ,
ولا يجوز ضربها بهذا الحديث , كما هو مقرر في علم أصول الفقه , ولكن الذي نعتمده في الجواب إنما هو الأول لوضوحه , والله أعلم .