[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]خاص ثروة
تقع منطقة عسالي الورد على يمين مدخل دمشق الجنوبي القديم، وهي تتوسط منطقة الحجر الأسود ومنطقة القدم والسبينة، وتضم أكثر من خمسين ألف نسمة يعاني معظمهم من سوء الحال والعوز والجهل، وتنتشر البطالة بين شبابها بحيث تعد من المناطق الفقيرة التي تشكل جزءاً أساسيا من حزام الفقر الذي يلف العاصمة السورية.
السيد (ر/ ب) يعمل في محل أحذية صغير في منطقة عسالي الورد يقول: (إن الأوضاع أصبحت صعبة جداً بعد ارتفاع الأسعار، ولكن ماذا نستطيع أن نفعل حيال ذلك، أصبح هناك أشياء أبدى من أشياء أخرى، فالحلويات أصبحت من مشتقات الأعياد فقط، أما باقي أيام السنة فنحن لا نفكر في أن نشتريها، وأما عن حركة السوق والبيع والشراء فإنها خفت كثيراً، إن كان في نطاق المواد الغذائية أو في مجال الألبسة أو الأحذية لأن تحصيل المدخول بالنسبة لأي فرد أصبح صعبا، فالأحوال لم تعد كما كانت قبلاً، قبلا كان من الممكن للإنسان أن يأكل ويشرب ويبقي بشيء من مدخوله لشراء الثياب أو الأحذية، أما الآن فلا يستطيع أن يفعل ذلك، فمثلاً كيلو الرز وصل إلى تسعين ليرة. فإذا أراد أحدهم أن يأكل طبخة (كوسا محشي) وكان لديه وسطياً أربعة أو خمسة أولاد فإن هذه الطبخة سوف تكلفه 1500 ل.س، فقد جاء إلي مواطن منذ أيام ولديه 13 ولد، قال لي إذا أردت أن أطبخ هذه الطبخة فأنا يجب أن أشتري 30 كيلو كوسا!! بالطبع هذا غير الرز واللحم والبندورة، ماذا سوف يفعل مثل هذا الشخص، وهذه الطبخة تعتبر ليوم واحد فقط، فالطبخة التي كانت تكلفك مائة أو مائة وخمسين ليرة أصبحت الآن تكلفك 500 ل.س...
...كل شيء أصبح غال حتى المواصلات ارتفعت 200 بالمائة، فغلاء كل شيء بكفة وغلاء المازوت بكفة أخرى، فكل الناس أخذوا وصول المازوت وباعوها بسبب قلة الحال، ولن يحس هؤلاء الناس بهذه الأزمة إلا عندما يأتي فصل الشتاء، كان يجب أن يعطوا الناس بدلا من وصول المازوت نقوداً لأنه أصبح هناك العديد من حالات النصب والاحتيال على الناس "وعلى عينك يا تاجر" بعض الناس باعوها في أول الأمر بـ6000 ليرة، الآن الناس يبيعونها بـ 14000 ليرة، والتجار يحتكرون هذا المازوت إلى فصل الشتاء، فسوف ترى الناس متجمعين عند الكازيات ليدفعوا ثمن تنكة المازوت 500 ل.س، بعد أن احتكرها التجار، وربما يضطر المواطن إلى شرائها بـ600 ليرة حتى لا يضطر للوقوف في البرد والصقيع، هذا إذا توفر المازوت للمواطن، الناس سوف يأكلون بعضهم بعضاً، لأن الناس ليسوا كلهم من الطبقة الغنية، بل إن ثلاثة أرباع الناس في الأرض، أليس المواطن ابن هذا البلد وعليه أن يعيش من خيرات هذا البلد؟! عندما تريد أن ترفع من أسعار المواد فإنك يجب أن تحسب حساب المواطن غير الموظف، الآن الناس يسحبون المازوت وينقلونه إلى الأراضي الزراعية، فالفلاح كان عندما يزرع ، كان يشتري تنكة المازوت بمائة وخمسين أو مائتي ل.س، الآن سوف يشتريها بخمسمائة ليرة من أجل أن يضخ الماء إلى الزرع، فالتجار لن يرحموا، ومن الذي سيحاسب في النهاية سوى المواطن وليس التاجر.
لنقل أن الموظف لديه راتب ثابت، ولكن ماذا سيفعل سائق التاكسي وسائق السرفيس والمواطن العادي الذي لا تتجاوز يوميته على 300 ليرة إذا ثمن جرة الغاز 300 ل.س، وتنكة المازوت بـ500 ليرة، نحن نتأمل أن هذا الكلام الذي أقوله أنا أو غيري أن يجد الصدى عند الدولة والحكومة، ولكنني أقول لك أنه بشكل عام إن المعيشة ضعيفة جدا، الناس غداً سوف تتكلم مع نفسها بسبب هذه الأحوال، كنا نشتي كل يوم جمعة أكلاً جيداً وهذا شيء إجباري، أما الآن فلا نستطيع، إننا ندبر أمورنا تدبيراً، نحن كنا ندبر أمورنا بالمعكرونة مثلا، الآن المعكرونة ثمنها 60 ليرة إي أنها لم تعد من المواد الرخيصة، في آخر الأمر سوف نمشي في الشوارع ونفتح أفواهنا للهواء، فإذا كنا قد ادخرنا يوماً مبلغاً من النقود فإننا صرفناها في هذه الفترة ولم يبق لدينا شيء، أنا أريد أن أسأل سؤالا، أمن المعقول ألا تكون الحكومة أحست بأحوال الشعب؟! نحن نبحث عما يرضي الله فقط، وأنا أقول اتقوا الله حتى يهل بخيراته علينا، ولكننا نقول الحمد لله على الصحة والعافية).
السيد (م / ق) أيضاً من سكان منطقة عسالي الورد الذين التقينا بهم، يقول: (أنا لدي عائلة أعيلها، والنقود التي أجنيها بصراحة لا تكفي لإعالتهم، وهذه الحال لم نكن نحس بها في الفترة الماضية وهي الآن تزداد سوءاً، فكيلو الأرز أصبح الآن بمائة ل.س، وأقل طبخة الآن تستلزم كيلو ونصف من الأرز، أي بمائة وخمسين ليرة، هذا إلى جانب اللحم والخضار والغاز الذي وصل سعر الجرة منه إلى 300 ليرة.
لقد كثرت الجرائم والسرقات في البلد، فمنذ أسبوعين تعرضنا للسرقة وهذا سببه بالطبع هو الفقر، فنحن كنا معروفين في المنطقة التي سرقنا فيها، لكن الناس لم تعد تتحمل بعضها بعضاً، الناس تريد أن تأكل، لم يعد أحد يستطيع أن يؤمن لقمة العيش، لو أن الناس تستطيع تأمينها لما لجأت إلى السرقة).
في الخاتمة، لا يسعنا سوى الإشارة إلى هؤلاء الناس ومشاكلهم والمناطق الفقيرة التي يعيشون بها. إن ّ أزمة الفقر في سورية هي مشكلة المشاكل، وهي السبب في ازدياد معدّل الجريمة وتدني الأخلاق والسلوكيّات في التعامل بين الأفراد، فالفقر هو الذي يولّد الضغط والكبت اللذان يؤديان إلى انفجارات وكوارث لا تحمد عقباها.
