السلام عليكم فلسفة التاريخ.
لنقل
أولا انه من الصعب جدا وضع تحديد دقيق لما تعنيه عبارة فلسفة التاريخ،
فالفكر الحديث رغم تقدمه لا يزال عاجزا عن تقديم تحديد واضح وحاسم لهذا
المفهوم، فإذا كان التاريخ دراسة في أحوال الإنسان وحركته على الأرض، فان
كل مؤرخ يميل إلى تناول أحداث الماضي بما يملك من أفكار فلسفية
وإيديولوجية، لذلك فمن الطبيعي أن يكون لهذه الأفكار أثرها الكبير في
رؤيته التاريخية .
وتعبير
فلسفة التاريخ هذا لم يستعمل إلا في القرن الثامن عشر الميلادي، وذلك خلال
عصر الأنوار بفرنسا، على يد فولتير، غير أن التفلسف في التاريخ بدأ فعلا
قبل ابتكار هذا التعبير بمدة طويلة، حيث يرى شميت أن ابن خلدون هو الذي
اكتشف الميدان الحقيقي للتاريخ، كما يرى كثيرون غيره أنه أبو التاريخ
الحقيقي، أو مؤسس علم التاريخ بتعبير البروفيسور البان. ج . ويدرجي .
إن
فلسفة التاريخ مؤسسة على علم التاريخ، من حيث أنه علم الوقائع الموجودة في
المكان والزمان ، فالتاريخ لا يسير اعتباطا، وإنما حسب حدود مرسومة، وهذه
الحدود هي المنطق الذي يربط حوادث التاريخ وينظمها، وهذا المنطق عبارة عن
فروض عامة، أي فلسفة تصبغ تموجات التاريخ بصبغتها .
فالتاريخ
البشري لا يتحرك فوضى وعلى غير هدف، وإنما تحكمه سنن وقوانين، كتلك التي
تحكم الكون والعالم والحياة والأشياء سواء بسواء، وان الوقائع التاريخية
لا تخلق صدفة وإنما من خلال شروط خاصة تمنحها هذه الصفة أو تلك، أو توجهها
صوب هذا المصير أو ذاك .
فتفسير
التاريخ إذن يقصد به معرفة الروابط التي تربط الأحداث والوقائع المتفرقة،
ودراستها لاستبيان دوافعها وارتباطاتها ونتائجها، واستخلاص السنن
والقوانين الإلهية منها, والاعتبار بالدروس والعضات فيها, وهي مرحلة تأتى
بعد الدراسة النقدية للأخبار،
فالذي ثبت من الوقائع و الأحداث هو الذي يفسر, وتدرس ارتباطاته، ويتعرف
على دلالته وآثاره، وذلك بهدف تفسير القوانين وتحديد السنن التي تتشكل
بموجبها معطيات التاريخ بوقائعه المزدحمة والمتشابكة، من اجل وضع اليد على
مجموعات نمطية من المؤثرات التي تتحكم بالحركة التاريخية، فتسوقها في هذا
الاتجاه أو ذاك، فيما يعرف بفلسفة التاريخ .
ففلسفة
التاريخ هي التي تبحث في الوقائع التاريخية، فتسعى لاكتشاف العوامل
الأساسية التي تؤثر في سير هذه الوقائع، وتعمل على استنباط القوانين
العامة التي تتطور بموجبها الأمم والدول، أي تهتم بتفسير وفهم مجرى
التاريخ في ضوء نظرية فلسفية معينة, وتضع لعلم التاريخ أساسا فلسفيا، بحيث
لا يبقى التاريخ مجرد سرد وتفسير للوقائع فقط,
وإنما البحث عن القوانين الثابتة التي تتخطى الزمان والمكان، ولا تجري وفق
الأهواء أو المصادفات، ومن ثم كانت مهمة فلسفة التاريخ هي الكشف عن هذه
القوانين التي تفسر تاريخ البشرية، وفق تحليل دقيق للمصادر التاريخية
ودراسة المصطلحات العامة التي يستخدمها المؤرخون في تفسير الوقائع
التاريخية كالعلية والفرضية والقانون ونحوه .
إن
فلسفة التاريخ تقوم على أساس وجود قوانين تتحكم في سير التاريخ، وهذه
القوانين يجب اكتشافها والتعامل معها، ومن هذا المنظور يصبح التفسير
التاريخي للحوادث اجتهادا بشريا يحتمل الخطأ والصواب، لأنه يدخل ضمن ميدان
الدراسات النظرية.
فمتي يصبح التاريخ عند الشعوب العربية والاسلامية بهذا المفهوم